بعد أقل من ثلاثة شهور على إقدام كوريا الشمالية على قصف جزيرة"يونبيونج" التابعة لكوريا الجنوبية، افتتحت الكوريتان يوم الثامن من فبراير الجاري محادثات عسكرية أولية على مستوى الضباط من رتبة العقيد، بغرض وضع أجندة، وتحديد تاريخ لبدء المحادثات الدفاعية التي ستجرى على المستوى الوزاري. وقد تم تأجيل الاجتماعات، لموعد لاحق، دون أن يتم الإعلان عن التوصل لاتفاق، وهو ما يثير أسئلة حول الفرص المتاحة أمام الجهود الدبلوماسية المتجددة الرامية لمعالجة ملف البرنامج النووي الكوري الشمالي. ولدى كل من الدولتين أسبابها الخاصة التي تدفعها للدخول مجدداً في حوار: فكوريا الشمالية، تفعل ذلك لأنها بحاجة لمواجهة النقص الذي تعانيه في مخزونها من المواد الغذائية الأساسية، ولأنها ترغب في توسيع المساعدات الاقتصادية التي تحصل عليها من كوريا الجنوبية، بحيث لا يكون اعتمادها بالكامل على الصين من أجل توفير تلك الاحتياجات. أما الأسباب التي تدفع كوريا الجنوبية للدخول في تلك المحادثات، فيمكن إجمالها في أنها تواجه في الوقت الراهن ضغطاً دولياً من أجل الدخول من جديد في محادثات مع كوريا الشمالية، خصوصاً بعد الدعوة المشتركة الموجهة لها من قبل رئيس الولايات المتحدة والصين، في الاجتماع الذي عقد بينهما في واشنطن. ومن الأسباب الأخرى التي تدفعها لذلك أنها تواجه ضغطاً داخلياً من شعبها الذي يتوقع من إدارة الرئيس "لي ميونج باك" أن ترد بقوة على الاستفزازات الكورية الشمالية، والذي يشعر بالانزعاج من عدم تحقيق تقدم في العلاقات بين الدولتين، والذي بدأ - الشعب - يفكر منذ الآن في الانتخابات البرلمانية، والانتخابات الرئاسية التي ستعقد العام القادم. وكل طرف من الطرفين، يسعى لتحقيق أهداف مختلفة عن الطرف الآخر، ومن غير المرجح أن يستجيب أحدهما لرغبات الآخر، خصوصاً بعد قيام كوريا الشمالية في 26 مارس من العام الماضي بإغراق السفينة الكورية الجنوبية "شيونان" وقيامها في 23 نوفمبر الماضي بقصف جزيرة "يونبيونج"، التي تسيطر عليها كوريا الجنوبية، مما أسفر عن مصرع اثنين من المدنيين واثنين من العسكريين. وكوريا الجنوبية تفرض شروطاً أساسية مقابل قيامها بتحديد موعد للاجتماع الذي يعقد على المستوى الوزاري، هي ضرورة اعتذار بيونج يانج عن حادث إغراق السفينة شيونان، (وهو ما تنكر الأخيرة أي مسؤولية عنه)، واعترافها بقصف جزيرة يونبيونج، مع تقديم اعتذار علني على ذلك، وتعهدات بأنها لن تلجأ إلى تكرار مثل هذه الاستفزازات في المستقبل. ومن الواضح أن كوريا الشمالية تأبى تقديم تلك التنازلات لعدة أسباب منها أنها لو قدمت اعتذاراً، فإن ذلك سوف يكون أمراً غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين الدولتين، كما أنه سيمثل علامة ضعف قبل انطلاق المحادثات العسكرية الجديدة التي ستجرى على المستوى الوزاري. من ناحية أخرى، تدرك كوريا الشمالية أن رغبتها في الحصول على مساعدات مالية من كوريا الجنوبية، وإعادة فتح قنوات للحوار مع الولايات المتحدة من خلال المحادثات السداسية الأطراف، لا يمكن أن تتحقق مالم تقدم تعهدات موثوق بها بالعودة مجدداً إلى المحادثات الخاصة بنزع أسلحتها النووية، وتقدم أيضاً تفسيراً للهجومين اللذين شنتهما على السفينة "شيونان" وجزيرة "يونبيونج". وبعد الاستجابة للعرض الكوري الشمالي بإعادة افتتاح المحادثات مجدداً، يسعى الكوريون الجنوبيون لحشد تأييد دولي للمطالب التي قدموها لـ"بيونج يانج"، بتقديم اعتذار علني، مع إقناع هذا النظام في الوقت نفسه أنه لا بديل أمامه سوى تقديم ذلك الاعتذار ، إذا كان يرغب في تجنب عزلته الدبلوماسية، والحصول على احتياجاته المادية من كوريا الجنوبية، لكن للأسف لم تفلح هذه المحادثات. ورغم ذلك ، يتعين على إدارة الرئيس" لي" ، وهي تقارب موضوع الحوار بينها وبين كوريا الشمالية، أن تراعي الموازنة بين رغبات الرأي العام الداخلي لديها، وبين الرغبات الدولية لإعادة فتح الحوار مع تلك الدولة. وهذا سيتطلب بالطبع الحصول على تنازل ذي معنى من نظام بيونج يانج، كي تظهر هذه الإدارة للعالم أنها قد وضعت النظام الكوري الشمالي قيد المحاسبة على ما ارتكبه من أعمال استفزازية بحقها، وأنها ستجبره على الاعتراف بأخطائه - الذي يأبى حتى الآن الاعتراف بها - لأنه لو فعل ذلك فستكون له تداعيات بعيدة المدى على عملية توريث الحكم فيه، والماضية على قدم وساق في الوقت الراهن. ويشار في هذا السياق إلى أن كوريا الجنوبية تدرك جيداً، أنها إذا أرادت أن تمارس تأثيراً ونفوذاً على كوريا الشمالية، فإن عليها القيام في الوقت الراهن، وأثناء فترة المحادثات الثنائية بين الدولتين، لأن هذا التأثير والنفوذ سيقل - حتماً - إذا استأنف الحوار الثنائي بين واشنطن وبيونج يانج من جديد. من ناحية أخرى، فإن إعادة اشتباك الغرب مع المسألة الكورية مجدداً، سوف يزيد من إحساس سيئول بأنها تتعرض للتهميش في قضايا، هي من صميم اختصاصها، وتؤثر مباشرة على أمنها القومي، خصوصاً إذا وافقت كوريا الشمالية على مناقشة موضوع نزع أسلحتها النووية في المحادثات السداسية، التي تضم الولايات المتحدة والكوريتين وروسيا والصين واليابان. وعلى الرغم من عدم تحمس كوريا الجنوبية للدخول مجدداً في محادثات مع كوريا الشمالية نتيجة رفض الأخيرة تقديم تنازلات، فإنها مطالبة بالحرص عند مقاربتها للمسألة، حتى لا تبدو وكأنها هي التي تشكل عقبة أمام استئناف المحادثات، وأمام الجهود الرامية لتخفيف التوتر في شبه الجزيرة الكورية، لا كوريا الشمالية. إن الدعوة المشتركة من جانب الولايات المتحدة والصين للكوريتين للبدء مجدداً في حوار قد نجحت بالفعل في التأثير على موقف الدولتين، وإقناعهما بأهمية التوجه للحوار. ولكن الدولتين العظميين، يجب ألا يكتفيا بتوجيه هذه الدعوة، وأن تبادرا بالعمل على إضفاء لمسة بارعة من ناحيتهما على الجهود الرامية لإقامة علاقة مستقرة بين الكوريتين . سكوت شنايدر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زميل أول الدراسات الكورية بمجلس "العلاقات الخارجية الأميركي" ينشر بترتيب خاص مع خدمة"تريبيون ميديا سيرفس"